جغرافيا الحوض
حوض النيل هو مسمي يطلق علي 10 دول إفريقية يمر فيها نهر النيل؛ سواء تلك التي يجري مساره مخترقا أراضيها، أو تلك التي يوجد علي أراضيها منابع نهر النيل، أو تلك التي يجري عبر أراضيها الأنهار المغذية لنهر النيل. ويغطي حوض النيل مساحة 3.4 مليون كم² من المنبع في بحيرة فكتوريا وحتي المصب في البحر المتوسط.
يبلغ عدد الدول المشاركة في حوض نهر النيل عشراً، وهي من المنبع إلى المصب كما يلي: بوروندي ورواندا وتنزانيا وكنيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا وإثيوبيا وإرتريا والسودان ومصر.
وتبلغ مساحة القارة الأفريقية حوالي 30 مليون كيلو متر مربع ، ويتكون حوض النيل سياسيا من مجموعة دول تشغل نحو 9 مليون كيلو متر مربع أي ثلث القارة الأفريقية ، ويبلغ نصيب مصر نحو 10% منه ، ويمتد حوض النيل طوليا إلى خمسة آلاف كيلو متر ، ويتسع عرضه إلى نحو ثلاثة آلاف كيلو متر ، ويبلغ طول نهر النيل 6760 كيلو متر .
تشغل السودان نحو 64% من جملة مساحة الحوض المائي ، أي أن معظم الأراضي السودانية تقع داخل الحوض ، وتليها أثيوبيا التي تشغل 12% من مساحة الحوض ، ثم مصر ، ثم أوغندا ، فالكونغو التي تشغل 1% فقط .
تعتبر نحو 30% من مساحة مصر ضمن أراضي الحوض المائي ، بينما نجد أن دولة مثل أوغندا تدخل أكثر من 90% من أراضيها داخل الحوض .
يتابع د. شحاتة : يوجد مجموعة من العناصر الجغرافية المؤثرة على الحوض أهمها وجود الأخدود الأفريقي وهو شديد الخطورة ؛ فهو منطقة تسجل يوميا أحداث زلزالية، بها براكين نشطة، وهي مرتبطة بصدع البحر الأحمر الذي يتسع سنويا بمقدار حوالي سنتيمتر أو 2 سنتيمتر. وهذه المنطقة من المتوقع أن تنفصل عن القارة - بحسب الأبحاث العلمية – وخطورة هذه المنطقة أنها صدعية، أي انكسار في شرقها يصل إلى المحيط الهندي، وفي حالة حدوث زلزال قوي يمكن أن تغمر مياه المحيط هذا الصدع حتى تصل إلى شمال شرق أثيوبيا.
هذا الأخدود يقسم أثيوبيا إلى قسمين شرقي وغربي ، وينبع النيل من الشق الغربي من أثيوبيا ، تحديدا من منطقة البحيرات الاستوائية التي تحيط بها بحيرة فيكتوريا المنبع الرئيسي للنهر ، ومن هنا ندرك أن إقامة أثيوبيا لسد " تكازي " الذي تم تشغيله بالفعل في نوفمبر الماضي ، يمكنه بسهولة الاستقطاع من نصيب مصر من النهر .
حكومات مصر والنيل
من جانبه تحدث د. سيد فليفل عن البعد التاريخي في علاقة مصر بدول حوض النهر ؛ فقد قامت الحضارة المصرية على النيل منذ قديم الأزل ، ونتيجة وجود نهر واحد أقيمت حكومة مركزية مصرية كانت تحرص على التوزيع العادل لمياه النهر لكل مناطق البلاد ، وقد حاول المصريون استكشاف النهر منذ العصور القديمة وكانوا يقيمون علاقات كبيرة مع دول الحوض جنوبا .
وكانت دول حوض النيل تخضع في العصور الحديثة للاستعمار الغربي ، فكانت بلجيكا في القسم الكنغولي ، وإيطاليا في اريتريا ، وألمانيا في أوغندة وبوروندي ، وبريطانيا في معظم دول الحوض .
واهتمت الدولة المصرية في العصر الحديث بالمشروعات النيلية ، فأنشأ الخديو محمد علي القناطر الخيرية وكانت مشروعا اقتصاديا ولكنه تحول لمظهر جمالي لا غير ، ولكن معظم المشروعات المقامة لاستغلال مياه النهر كانت فترة الاحتلال البريطاني لمصر ومنها خزان أسوان وتطويره . والغريب ان معظم المعاهدات المتعلقة بنهر النيل لم تكن دول حوض النهر طرفا فيها وإنما كانت تجرى بين القوى الاستعمارية وحدها ، وأهمها الاتفاق الثلاثي بين بريطانيا وفرنسا وبلجيكا عام 1894 والذي أشار إلى مسألة الحفاظ على تدفق المياه والسرعة والكمية.
ولفت د. فليفل إلى أن ثورات الشعب المصري ضد بريطانيا كان لها تأثير على مسألة المياه ، فحينما اندلعت ثورة 1919 م وطالبت الحركة الوطنية بعودة السودان ضمن السيادة المصرية ، اكدت الإدارة البريطانية أنها لن تخرج من مصر وتترك مياه النيل تتدفق لمصر حتى تخرج مصر من السودان وتتركها للإدارة البريطانية ، وهذه المعضلة أدركتها أول حكومة مصرية بعد الاستقلال في عام 1922، ودارت مفاوضات بدأها الزعيم سعد زغلول مع المسئولين البريطانيين واستمرت بعد ذلك مع النحاس وعدلي يكن ومحمد محمود باشا رؤساء الوزراء المتعاقبين.
واكد د. فليفل أن نصيب كل دولة من الماء يرجع لحجم أو إسهام الدولة من مساحة الحوض ، وأن خوف مصر غير مبرر لأن دولة مثل أوغندة لا يمكن أن تهددنا مطلقا في مياه النيل؛ فإذا كانت 90% من مساحة الدولة تقع في المناطق الغزيرة المياه فهي ليست بحاجة إلى المياه بل لصرفها، والآن تقوم مصر بعملية تعميق البحيرات العظمى لتحصل على حصتها في وقت الاحتياج.
جاءت ثورة 23 يوليو التي كان لديها نهجا مختلفا في مسألة مياه النيل، فاعتبرت أن وجود بريطانيا في أعالي النيل يشكل نوعا من الضغط المستمر على برامج التنمية في مصر، فطالما هي موجودة في السودان وأوغندة وغيرها لن تقيم مصر مشروعاتها التي تستلزم الطاقة والمياه ، وبالتالي أنشأت مشروع السد العالي، ومن هنا تفهمت الثورة روح النهر والوطن.
وقبل قادة ثورة يوليو بأن يتم الفصل بين مسار الوحدة مع السودان ومسار الجلاء الإنجليزي عن مصر، وقبلنا بتقرير المصير، أما السد العالي فقام على نظام تخزين المياه داخل مصر، وشهد الشعب المصري معركة لتمويل بناء السد في ظل نقص الإمكانيات ، ومعركة ثانية بين الذين يريدون احتلال مصر مقابل المساعدة ، أو أولئك الذين يريدون المساعدة بتمويل السد مقابل إطلاق أبنائهم في الأراضي المصرية ، وبعد امتلاء بحيرة ناصر بالمياه لم يعد من الممكن ابتزاز مصر بالمياه وكان يحدث ذلك مع نهاية فصل الربيع وقبل فصل الصيف ، وأدركت مصر حينها أن استقلالها لا يمكن أن يكتمل بغير خروج بريطانيا وغيرها من الدول الاستعمارية من دول الحوض، وكان هذا هو المدخل لدور مصر الإقليمي المعروف في حركة التحرر الإفريقية والعالمي.
وبدأ العمل المشترك حتى وصلنا لاتفاقية 1959 بين دول الحوض ، والتي أنشئت بموجبها لجنة دائمة لمياه النيل ، بعد ذلك امتلأت ترعنا بالمياه، وكنا في فترة غنى مائي حيث نصيب الفرد بعد امتلاء بحيرة ناصر في مصر 3000 متر مكعب من المياه، ثم انخفض حتى وصلنا الآن إلى700 متر، أي أننا أننا أصبحنا شعب فقير مائيا. رغم أن حصة مصر من المياه تكفيها وهي 56 مليار متر مكعب .