الدمعة اليتيمة نائبة المديره
عدد المساهمات : 8 نقاط : 18 تاريخ التسجيل : 30/10/2011
| موضوع: خطورة الكلمة الجمعة يناير 13, 2012 8:44 am | |
| سأل الصّحابي الجليل معاذ بن جبل-رضي الله عنه- النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم- عن العمل الّذي يُدخل الجنّة، ويُباعده عن النّار، فأخبره -صلّى الله عليه وسلم- برأسه، وعموده وذروة سنامه، ثم قال: {ألا أخبرك بملاك ذلك كلّه، قلت: بلى يا رسول الله، قال: فأخذ بلسانه، قال: كفّ عليك هذا. فقلت: يا نبيّ الله وإنّا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكبّ النّاس في النّار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم؟} [رواه التّرمذي 2616 وصححه الألباني]. إن تطهير اللسان من الآفات، والتثبُّت قبل القول، ووزن الكلام قبل التّكلم به أمرٌ ذو شأنٍ، إذ به تُضمن الجنّة كما قال النّبيّ -صلّى الله عليه سلم-: {من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنّة} [رواه البخاري 6474]. قال -تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ [النّور: 11]. لقد أظهرت حادثة الإفك مدى خطورة عدم التّثبُّت والإشاعة على المجتمع قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "فما بال رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- توقف في أمرها، وسأل عنها، واستشار، وهو أعرف بالله وبمنزلته عنده وبما يليق به، وهلا قال:-سبحانك- هذا بهتانٌ عظيمٌ، كما قال فضلاء الصّحابة؟ فالجواب: أنّ هذا من تمام الحكم الباهرة الّتي جعل الله هذه القصة سببًا لها وامتحانًا وابتلاءً لرسوله الله -صلّى عليه وسلم- ولجميع الأمّة إلى يوم القيامة؛ ليرفع بهذه القصة أقوامًا ويضع بها آخرين، ويزيد الله الّذين اهتدوا هدًى وإيمانًا، ولا يزيد الظالمين إلا خسارًا، واقتضى تمام الامتحان والابتلاء أن حُبس عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- الوحي شهرًا في شأنها، ولم يُوح إليه في ذلك شيءٌ؛ لتتم حكمته الّتي قدرها وقضاها، وتظهر على أكمل الوجوه، ويزداد المؤمنون الصّادقون إيمانًا وثباتًا على العدل، والصّدق، وحسن الظّنّ بالله ورسوله وأهل بيته والصّديقين من عباده ، ويزداد المنافقون إفكًا ونفاقًا، ويظهر لرسوله وللمؤمنين سرائرهم، ولتَِتمَّ العبودية المرادة ومن الصّدِّيقة وأَبويها، وتتمّ نعمة الله عليهم، ولتشتد الفاقة والرّغبة منها ومن أبويها والافتقار إلى الله، والذّل له وحسن الظّنّ به، والرّجاء له، ولينقطع رجاؤها من المخلوقين، وتيأس من حصول النّصرة والفرج على يد أحد من الخلق ولهذا وفَّت هذا المقام حقّه، ولما قال لها أَبواها: "قومي إليه وقد أنزل الله عليه براءتك، فقالت: والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله، هو الّذي أنزل براءتي" انتهى كلامه -رحمه الله-. أما الصّادق في عمله فكما قيل: "المؤمن يطلب معاذير إخوانه، والمنافق يطلب عثرات إخوانه".
قال قتادة: "لا تقل رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع، وعلمت ولم تعلم؛ فإن الله -تعالى- سائلك عن ذلك كلّه".
"زعموا" و"قالوا" سلوكٌ يتنافى مع أصول التّثبُّت، وفي الحديث {بئس مَطِيَّةُ الرّجل زعموا} [رواه أبو داود 4972 وصححه الألباني]؛
لأنّ زعموا في الواقع ما هي إلا مطيّة الكذب إنّ في البشر طفيليّات حول أفراد المجتمع، ليفسدوا أمره وليفرقوا كلمته، وليُوغِرُوا الصّدور، فتحدث الشّحناء و البغضاء، وليست الشّحناء والبغضاء من خلق المسلم. من أصول التّثبُّت أن لا ينقل المسلم كل ما يسمع: فقد صحّ عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- أنّه قال: {كفى بالمرء كذبًا أن يحدِّث بكلّ ما سمع} [رواه مسلم 5]؛ لأن كلّ ما يسمعه المرء يختلط فيه الصّدق بالكذب، فتحدث روايته اضطراب الأحوال، وبلبة الأفكار، وعدم الهدوء والاستقرار. سوء الظّنّ من أسباب عدم التّثبُّت: وفي غياب التّثبُّت: تروج الإشاعات، ويستفحل ضررها، فتترسب بين النّاس، وتشتعل اشتعال النّار في الهشيم، فكم من إشاعةٍ أطلقها مغرضٌ، وسمعها متعجلٌ تركت جراحًا لا تندمل، ودمعًا لا يرقأ، وفرقةً لا تجتمع.
والإشاعة: من أخطر الأسلحة الفتاكة والمدمرة للأشخاص والمجتمعات، وهي حرب مستترة لجأ إليها الأعداء، واتخذوها وسيلة من وسائل الهدم والتّدمير للمجتمع المسلم؛ لتحطيم معنويات وزعزعة نفسيته، بل يدخل العدو بالإشاعات إلى الجبهة الدّاخلية فيحاصرها، ويصيبها بالبلبلة والتّفكك والضّعف. والواجب على المسلم إذا نقل له نمامٌ أو سمع في أخيه مقالًا أو إشاعةً أن يذبّ عن عرض أخيه. لما كان النّبيّ في غزوة تبوك وتخلّف كعب بن مالك سأل عن النّبيّ لما بلغ تبوك فقال رجل: "يا رسول الله، حبسه برداه، ونظره في عطفيه. فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه الإ خيرا" [رواه البخاري 4418 ومسلم 2769]. هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمّد.
الكاتب الشيخ :عبدالباري الثبيتي
المصدر: موقع كلمات | |
|